كتاب: فتاوى الرملي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى الرملي



(سُئِلَ) مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ حَقِيقَةَ زِيَادَةِ طُولِ أَعْنَاقِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ رَجَاءً؛ لِأَنَّ رَاجِي الشَّيْءِ يَمُدُّ عُنُقَهُ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا يُلْجِمُهُمْ الْعَرَقُ فَإِنَّ الْعَرَقَ يَأْخُذُ النَّاسَ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ وَرُوِيَ إعْنَاقًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ أَكْثَرُ إسْرَاعًا إلَى الْجَنَّةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَنَقِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ السَّيْرِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} الْآيَةَ قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي تَفْسِيرِهِ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ يَوْمَ خَلَقَ آدَمَ قَبَضَ مِنْ صُلْبِهِ قَبْضَتَيْنِ فَوَقَعَ كُلُّ طَيِّبٍ فِي يَمِينِهِ وَكُلُّ خَبِيثٍ بِيَدِهِ الْأُخْرَى فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ النَّارِ وَلَا أُبَالِي ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ فَهُمْ يَنْسِلُونَ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْآنَ» وَذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخْرَى بِمَعْنَى ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ بَنِي آدَمَ مَخْلُوقُونَ الْآنَ مُودَعُونَ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مَعْنَاهُ: «لَمْ أَزَلْ أُنْقَلُ مِنْ الْأَصْلَابِ الطَّيِّبَةِ إلَى الْأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ حَتَّى خَرَجْت مِنْ بَيْنِ أَبَوَيَّ» وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ نَبَاتًا} فِي سُورَةِ نُوحٍ مَا مَعْنَاهُ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ النَّبَاتَاتِ مِنْ الْأَرْضِ وَجَعَلَهَا أَغْذِيَةً لَنَا وَخَلَقَ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الْمَنِيَّ وَخَلَقَنَا مِنْ هَذَا الْمَنِيِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ مَخْلُوقٌ مِنْ الْمَنِيِّ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ وَهُوَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِمْ مَخْلُوقِينَ مُودَعِينَ فِي الْأَصْلَابِ فَالْمَسْئُولُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقٍ وَاضِحٍ مُوجَزٍ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ نَسَمَ بَنِي آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَالذَّرِّ وَفِي بَعْضِهَا كَالْخَرْدَلَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ إنَّهَا الْأَرْوَاحُ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ، وَإِنَّهُ جَعَلَ فِيهَا مِنْ الْمَعْرِفَةِ مَا عَلِمَتْ بِهِ مَا خَاطَبَهَا بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا أَمَّا عَلَى كَوْنِ الْمُخْرَجِ الْأَرْوَاحَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي إخْرَاجِ الْمَعْدُومِ إلَى عَالَمِ الذَّرِّ وَكَلَامِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ فِي ابْتِدَاءِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي صُلْبِ آدَمَ حَقِيقَةً إلَّا أَوْلَادُهُ وَغَيْرُهُمْ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَصْلَابِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
(سُئِلَ) هَلْ وَرَدَ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ جَاءَ لَهُ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ نِكَارٌ قَبْلَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِهِ فِي صُورَةٍ لِمَاذَا وَهَلْ يَسْأَلَانِ الْمَيِّتَ بِلُغَتِهِ أَمْ بِغَيْرِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَجِيءُ نِكَارٍ وَيَسْأَلَانِ الْمَيِّتَ بِلُغَتِهِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ» إلَخْ مَا الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِهِ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي حَقِّ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا وَهَلْ إذَا أَجَابَ مُجِيبٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَتْ صُورَتُهُ الشَّرِيفَةُ مُشَابِهَةً لِلصُّورَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَتَخَيَّلَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَا فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْعَقْلُ أَنْ يُجَوِّزَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ فَلَمْ يَحْتَجْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ يَكُونُ مُصِيبًا فِي ذَلِكَ أَمْ لَا.
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ خَصَّ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ بِالذِّكْرِ لِحِكَمٍ مِنْهَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ فَقَدْ رَآنِي حَقًّا، وَلَا كَذَلِكَ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ أَوْهَامٌ وَخَوَاطِرُ فِي الْقَلْبِ بِأَمْثَالٍ لَا تَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ إنَّ ذَلِكَ لَا يُوهِمُ رُؤْيَةَ الذَّاتِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ تَوَهَّمَ شَخْصٌ خِلَافَ الْحَقِّ فُسِّرَ لَهُ مَعْنَاهُ قَالَ: وَالْخِلَافُ عَائِدٌ إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُصُولِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَإِنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالٌ وَاَللَّهُ يَضْرِبُ الْأَمْثَالَ لِذَاتِهِ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ الْمِثْلِ وَمِنْهَا أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ جَمَاعَةٌ إنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ؛ لِأَنَّ مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ خَيَالٌ وَمِثَالٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْقَدِيمِ مُحَالٌ.
وَمِنْهَا مَا أَجَابَ بِهِ الْمُجِيبُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ مُصِيبٌ.
(سُئِلَ) مَا الْمُرَادُ بِالرَّبْوَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآوَيْنَاهُمَا إلَى رَبْوَةٍ} هَلْ هِيَ رَبْوَةُ دِمَشْقَ أَمْ رَبْوَةُ الْبَهْنَسَا.
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إنَّهَا رَبْوَةُ دِمَشْقَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هِيَ الرَّمْلَةُ مِنْ فِلَسْطِينَ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ قَتَادَةُ وَكَعْبٌ إنَّهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ قَالَ كَعْبٌ وَهِيَ أَقْرَبُ الْأَرْضِ إلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا وَقَالَ وَهْبٌ وَابْنُ زَيْدٍ إنَّهَا مِصْرُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إنَّهَا إسْكَنْدَرِيَّةُ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ سَعْدِ الدِّينِ سَمِعَ صَوْتًا دَلَّ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا لِقَوْلِ الشَّيْخِ خَالِدٍ سَمِعَهُ بِلَا صَوْتٍ وَقِيلَ بِلَفْظٍ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَيَتَّضِحُ بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يُسْمَعَ بِلَا صَوْتٍ وَلَا حَرْفٍ كَمَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِلَا كَمٍّ وَلَا كَيْفٍ وَهَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ وَمَنَعَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ذَلِكَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَأَنَّهُ سَمِعَهُ بِصَوْتٍ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَوْ مِنْ جِهَةٍ بِلَا اكْتِسَابٍ وَعَلَى هَذَا فَرَّعَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ كَلَامَهُ.
(سُئِلَ) عَمَّا قِيلَ إنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ} إلَى قَوْلِهِ الْإِسْلَامُ كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا خَرَّتْ الْأَصْنَامُ كُلُّهَا سَاجِدَةً لِلَّهِ تَعَالَى هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا لِكُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ صَنَمٌ أَوْ صَنَمَانِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ} الْآيَةَ قَالَ فَأَصْبَحَتْ الْأَصْنَامُ كُلُّهَا قَدْ خَرَّتْ سُجَّدًا لِلْكَعْبَةِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِ أُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ هَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
(فَأَجَابَ) قَالَ شَيْخُنَا الشَّمْسُ السَّخَاوِيُّ: لَا وُجُودَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَلَا الْأَجْزَاءِ الْمَنْثُورَةِ وَجَزَمَ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ إنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ بَلْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: «إنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ» وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ إنَّهُ يُؤْخَذُ مَعْنَاهُ مِنْهُ وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ بَابُ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَقِبَ إيرَادِهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ فَأَخْبَرَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي بِالظَّاهِرِ، وَأَنَّ أَمْرَ السَّرَائِرِ إلَى اللَّهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ بَعْضَ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ ظَنَّ هَذَا حَدِيثًا آخَرَ مُنْفَصِلًا عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَنَقَلَهُ كَذَلِكَ ثُمَّ قَلَّدَهُ مَنْ بَعْدَهُ وَلِأَجْلِ هَذَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ دُونَ غَيْرِهِمْ حَتَّى أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْقَضَاءِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَوَلَّى اللَّهُ مِنْكُمْ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَنَّ أَمْرَ السَّرَائِرِ إلَى اللَّهِ.
وَأَغْرَبَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجِيزِيُّ فِي كِتَابِهِ إدَارَةُ الْحُكَّامِ فَقَالَ فِيمَا نُقِلَ عَنْ مُغَلْطَاي مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي قِصَّةِ الْكِنْدِيِّ وَالْحَضْرَمِيِّ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا فِي الْأَرْضِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ قَضَيْت عَلَيَّ وَالْحَقُّ لِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا أَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» قَالَ شَيْخُنَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ وَلَا أَدْرِي أَسَاقَ لَهُ إسْمَاعِيلُ إسْنَادًا أَمْ لَا. اهـ.
(سُئِلَ) هَلْ كَتَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّهَا صَدَرَتْ مِنْهُ مُعْجِزَةً وَمِنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ بِوَحْيٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ كَتَبَ فَنُسِبَتْ إلَيْهِ الْكِتَابَةُ تَجَوُّزًا وَهَذَا أَرْجَحُهَا فَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ.
(سُئِلَ) هَلْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنَّ النَّاسَ إذَا أَتَوْا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَسْأَلُونَهُ يَدُلُّهُمْ عَلَى نُوحٍ وَيَقُولُ، وَأَنَا أَذْهَبُ مَعَكُمْ، وَأَنَّ نُوحًا يَدُلُّهُمْ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَيَقُولُ، وَأَنَا أَذْهَبُ مَعَكُمْ، وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ يَدُلُّهُمْ عَلَى مُوسَى وَيَقُولُ، وَأَنَا أَذْهَبُ مَعَكُمْ، وَأَنَّ مُوسَى يَدُلُّهُمْ عَلَى عِيسَى وَيَقُولُ وَأَنَا أَذْهَبُ مَعَكُمْ وَأَنَّ عِيسَى يَدُلُّهُمْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ، وَأَنَا أَذْهَبُ مَعَكُمْ فَيَأْتُونَهُ فَيَسْأَلُونَهُ الشَّفَاعَةَ فِي إرَاحَةِ النَّاسِ مِنْ طُولِ الْوُقُوفِ وَهَلْ السَّائِلُ فِي ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ أَمْ غَيْرُهُمْ أَمْ الْجَمِيعُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْتُونَ لِأَجْلِ شَفَاعَتِهِ وَيَسْأَلُونَهُ إيَّاهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي عُلُوِّ مَقَامِهِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنِّي لَقَائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتِي إذْ جَاءَنِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ هَذِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْك يَسْأَلُونَ أَوْ قَالَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْك تَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ جَمِيعِ الْأُمَمِ إلَى حَيْثُ شَاءَ لِعِظَمِ مَا هُمْ فِيهِ فَالْخَلْقُ مُلْجَمُونَ فِي الْعَرَقِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزَّكْمَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَغْشَاهُ الْمَوْتُ قَالَ يَا عِيسَى انْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْك قَالَ وَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَقِيَ مَا لَمْ يَلْقَ مَلَكٌ مُصْطَفًى وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى جِبْرِيلَ أَنْ اذْهَبْ إلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَك وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الذِّكْرِ اللَّهُ اللَّهُ فِي حَالِ صَحْوِهِ مِنْ اسْتِغْرَاقٍ هَلْ يُسَمَّى ذِكْرًا أَوْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذِكْرًا هَلْ يُثَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذِكْرًا عُرْفًا لِعَدَمِ إفَادَتِهِ لَكِنَّهُ يُثَابُ لِقَصْدِ الذِّكْرِ كَمَا أَنَّ ذَا الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ آثِمٌ بِنُطْقِهِ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَعْصِيَةً وَشَرَعَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ قَارِئًا.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّك حَتْمًا مَقْضِيًّا} هَلْ الْوُرُودُ الدُّخُولُ أَمْ مُوَافَاةُ الْمَحَلِّ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ فَهَلْ هُوَ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ حَتَّى الْأَنْبِيَاءِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْوُرُودَ الدُّخُولُ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إلَّا دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ ثُمَّ يُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}» وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: «إذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ وَعَدَنَا رَبُّنَا أَنْ نَدْخُلَ النَّارَ فَيُقَالُ لَهُمْ قَدْ وَرَدْتُمُوهَا وَهِيَ خَامِدَةٌ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلَّا وَارِدُهَا} قَالَ مُجْتَازٌ فِيهَا» وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَقُولُ النَّارُ لِلْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُزْ يَا مُؤْمِنٌ فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُك لَهَبِي» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ فَأَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَصَرِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي رَحْلٍ ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ فِي مَشْيِهِ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إلَّا دَخَلَهَا وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَخَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} فَالْمُرَادُ عَنْ عَذَابِهَا وَالِاحْتِرَاقِ بِهَا فَمَنْ دَخَلَهَا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهَا وَلَا يَحُسُّ مِنْهَا وَجَعًا وَلَا أَلَمًا فَهُوَ مُبْعَدٌ عَنْهَا فِي الْحَقِيقَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآخَرُ: لَا يَرِدُهَا مُؤْمِنٌ، وَقَوْلُ عِكْرِمَةَ: إنَّمَا يَرِدُهَا الظَّلَمَةُ وَقِيلَ وُرُودُهَا الْجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ فَإِنَّهُ مَمْدُودٌ عَلَيْهَا، وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ وَالسُّدِّيُّ وَقِيلَ هُوَ وُرُودُ إشْرَافٍ وَاطِّلَاعٍ وَقُرْبٍ وَقِيلَ وُرُودُ الْمُؤْمِنَ مَسُّ الْحُمَّى إيَّاهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَفِي الْحَدِيثِ: «الْحُمَّى حَظُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ النَّارِ».